الكاف في ورطة بعد جدولة الفيفا أول نسخة من كأس العالم للأندية بين يونيو ويوليو 2025

أزمة كروية عالمية: الكاف في ورطة بسبب تداخل مواعيد كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم للأندية



تواجه الكرة الإفريقية أحد أخطر التحديات التنظيمية في تاريخها الحديث، بعدما أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) عن تنظيم أول نسخة موسعة من كأس العالم للأندية خلال الفترة الممتدة بين منتصف يونيو ومنتصف يوليو 2025. هذا القرار المفاجئ أدخل الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (الكاف) في أزمة حقيقية تتعلق بتوقيت تنظيم كأس أمم إفريقيا 2025 التي كانت مقررة مبدئياً في شهري يوليو وأغسطس من نفس العام. الصدام بين الموعدين يهدد بفتح أبواب خلافات أعمق بين الكاف والفيفا من جهة، وبين الكاف والأندية الأوروبية من جهة أخرى.

تفاصيل قرار الفيفا وتوقيته:

أعلن الفيفا في 2023 عن إطلاق نسخة جديدة من كأس العالم للأندية بمشاركة 32 فريقاً، ستُقام لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية صيف 2025. وحدد الاتحاد الدولي موعد البطولة بين 15 يونيو و13 يوليو 2025. هذه النسخة الاستثنائية ستشهد مشاركة أبطال القارات من السنوات الأربع الماضية، ما يعني أن فرقاً إفريقية من العيار الثقيل مثل الأهلي المصري والوداد المغربي قد تكون حاضرة. القرار أثار تساؤلات عدة بشأن مدى مراعاة الفيفا لروزنامة الاتحادات القارية، خاصة الإفريقية التي تعتمد تقليدياً على الصيف لتنظيم بطولتها الأكبر.

المأزق الذي يواجهه الكاف:

القرار الدولي فاجأ الكاف، الذي كان يخطط لإقامة النسخة القادمة من كأس أمم إفريقيا خلال يوليو وأغسطس 2025 في المغرب، مستضيف الدورة. ما يزيد من تعقيد الموقف هو أن عدداً كبيراً من نجوم القارة الأفريقية ينشطون في الدوريات الأوروبية وسيشاركون أولاً في كأس العالم للأندية، ثم قد يُطلب منهم التوجه مباشرة إلى الكان دون أي راحة، ما يهدد سلامتهم البدنية ويثير احتجاجات الأندية الأوروبية التي طالما أبدت استياءها من "استنزاف لاعبيها" في البطولات القارية.

هذا الضغط من الأندية الأوروبية بدأ يظهر علنًا، حيث عبّرت رابطة الأندية الأوروبية (ECA) عن تحفظها على تداخل البطولتين ورفعت توصيات للفيفا بضرورة إيجاد حل لا يؤثر على جاهزية اللاعبين لبداية الموسم الأوروبي في أغسطس.

السيناريوهات المطروحة أمام الكاف:

1. تنظيم كأس أمم إفريقيا في يوليو وأغسطس 2025:

هذا السيناريو يبقي البطولة في إطارها التقليدي الصيفي، لكنه يضع اللاعبين الدوليين في مأزق بدني حقيقي، حيث سيكون عليهم خوض بطولتين متتاليتين دون فاصل زمني مناسب. التحدي الأكبر أن بعض المنتخبات قد تضطر لخوض مباريات الكان بعد أقل من أسبوع على نهاية كأس العالم للأندية، مما قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات الإصابات وتراجع الأداء الفني.

من جهة أخرى، ترفض الأندية الأوروبية هذا التوقيت بشدة لأنه يتزامن مع مرحلة الإعداد للموسم الكروي الجديد، ويعني غياب نجومها الأفارقة عن معسكرات التحضير، الأمر الذي يعتبرونه إخلالًا بالتوازن التنافسي في البطولات المحلية.

2. تأجيل البطولة إلى يناير وفبراير 2026:

رغم أن هذا الحل يمنح اللاعبين استراحة بعد صيف مزدحم، إلا أنه يفتح الباب أمام مشاكل جديدة. أولاً، يتزامن ذلك مع تنظيم كأس العرب المقررة في ديسمبر 2025، ما يضع ضغطاً زمنياً على اللاعبين العرب في شمال إفريقيا. ثانيًا، يُعيد هذا الموعد الأزمة الكلاسيكية مع الأندية الأوروبية، التي تعارض منذ سنوات تنظيم كأس أمم إفريقيا في منتصف الموسم، لأنه يؤدي إلى غياب اللاعبين الأساسيين عن مباريات الأندية في فترات حاسمة.

كما أن تجربة تنظيم الكان في يناير 2022 (بدلاً من 2021 بسبب كورونا) أثبتت صعوبة تنفيذ هذا الخيار من دون خسائر فنية واحتجاجات واسعة من الأندية.

3. تعليق البطولة أو تأجيلها إلى موعد غير محدد:

يُعتبر هذا الخيار الأسوأ من الناحية الرمزية. تعليق الكان أو تأجيلها إلى أجل غير مسمى سيُفسَّر كرضوخ من الكاف لضغوط الفيفا ورابطة الأندية الأوروبية، وسيُنظر إليه كتنازل خطير عن استقلالية القرار الكروي الإفريقي.

كما قد يؤدي غياب البطولة إلى أضرار اقتصادية على مستوى عقود الرعاية وحقوق البث، وتراجع كبير في الاهتمام الجماهيري والإعلامي. الأسوأ من ذلك، أنه قد يفتح شهية أطراف أخرى لفرض أجندات خاصة على الكاف مستقبلاً.

صراع النفوذ بين الفيفا والكاف:

تكشف هذه الأزمة عن عمق الخلل في موازين القوى داخل كرة القدم العالمية. الفيفا، رغم حديثه المتكرر عن دعم تطوير الكرة في إفريقيا، لم ينسق بالشكل المطلوب مع الكاف قبل إعلان موعد كأس العالم للأندية. هذا يعكس مركزية القرار في المؤسسة الدولية، ويُظهر أن الاتحادات القارية لا تزال تعاني من ضعف التأثير داخل منظومة اتخاذ القرار.

من جهته، الكاف يبدو مقيدًا بقرارات خارجية ولا يمتلك الأدوات الكافية للضغط أو التفاوض بندّية مع الفيفا. وقد يكون هذا الظرف مناسبة لإعادة النقاش حول تمثيل القارات في اللجان التنفيذية للفيفا وضرورة منح الاتحادات القارية هامشًا أوسع في صياغة الروزنامة الدولية.

ما يعيشه الاتحاد الإفريقي لكرة القدم اليوم ليس مجرد أزمة مواعيد، بل اختبار حقيقي لقدرة القارة على حماية خصوصيتها الرياضية في مواجهة المؤسسات الأقوى نفوذاً. الحل لا يجب أن يكون استسلاماً للواقع، بل محاولة لإيجاد صيغة وسطى تراعي صحة اللاعبين، وتوازن بين مصالح المنتخبات الوطنية والأندية.

لعل الحل الأمثل يكمن في تقليص مدة بطولة الكان إلى ثلاثة أسابيع فقط، أو البحث عن صيغة تنسيقية مع الفيفا لتنظيم البطولتين في فترات متباعدة. كما أن دعم الاتحاد الإفريقي من طرف الاتحادات القارية الأخرى مثل الآسيوي واللاتيني في المطالبة بتعديل أجندة الفيفا سيكون خطوة استراتيجية مهمة.

في النهاية، الحفاظ على مكانة كأس أمم إفريقيا كأكبر بطولة قارية بعد اليورو وكوبا أمريكا يتطلب شجاعة في اتخاذ القرار، وجرأة في مواجهة الهيمنة المركزية، وإيماناً بأن إفريقيا قادرة على التفاوض لا التبعية.


تعليقات